بينما يمرّ العالم بمرحلة غير مسبوقة من التحوّل التكنولوجي، يقودها الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) ، قفزت قدرات نظم الذكاء الاصطناعي بين عامي 2022 و2025، من أدوات بسيطة تعتمد على التعليم الآلي، إلى نماذج لغوية فائقة مثل GPT وClaude وGemini، القادرة على إنتاج النصوص، والصور، والأكواد البرمجية، وحتى اتخاذ قرارات تشبه التفكير البشري. ولا تقف الإنجازات عند هذا الحد، بل بدأت تطبيقات الذكاء الاصطناعي تتغلغل في قطاعات حيوية مثل الطب، والهندسة، والتعليم، والاقتصاد.

من جانب آخر، أظهرت تقارير مؤسسات بحثية كبرى مثل “معهد ماكنزي العالمي” و”أكسفورد إنسايتس” أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يضيف أكثر من 15 تريليون دولار للاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، أي ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي للصين. في المقابل، قد تختفي بعض الوظائف التقليدية، خصوصًا تلك التي تعتمد على المهام المتكررة، وهو ما يستدعي إعادة تأهيل القوى العاملة، وتبنّي سياسات تعليمية جديدة تعتمد على المهارات الرقمية والمرونة الذهنية.

تباعًا، تتجه كبرى الشركات التقنية إلى تطوير ما يُعرف بـ”الذكاء الاصطناعي العام” (AGI)، وهو مستوى من الذكاء يمكنه أداء أي مهمة عقلية يستطيع الإنسان تنفيذها. ورغم أن هذا الحلم لم يتحقق بعد، إلا أن الوصول إليه قد يُحدث نقلة نوعية في شكل الحضارة الإنسانية. وقد دعت شخصيات بارزة مثل إيلون ماسك وسام ألتمان إلى ضرورة إبطاء هذا التقدم قليلًا، من أجل وضع أطر أخلاقية وتشريعية واضحة تُجنّبنا الانزلاق نحو مستقبل لا يمكن السيطرة عليه.

وفي هذا السياق، تكشف الإحصائيات عن مدى النمو المتسارع في اعتماد الذكاء الاصطناعي حول العالم. فبحسب تقرير صادر عن شركة Statista عام 2024، فإن 77% من الشركات العالمية تستخدم الذكاء الاصطناعي في إحدى عملياتها التشغيلية، بينما ارتفعت الاستثمارات العالمية في هذا المجال إلى أكثر من 300 مليار دولار في نفس العام. كما أشار تقرير صادر عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) إلى أن 14% من الوظائف الحالية قد تختفي خلال العقد القادم، فيما سيظهر أكثر من 97 مليون وظيفة جديدة ترتبط بالذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والمهارات الرقمية المتقدمة.

هذا ولربما يشعر البعض بالقلق من تنامي قدرة الذكاء الاصطناعي على محاكاة الإبداع البشري، حيث أصبح بإمكانه تأليف الموسيقى، وكتابة السيناريوهات، وتصميم المباني، وحتى تقديم الاستشارات الطبية. ومع ذلك، فإن هذه الأدوات لا تملك الوعي أو القيم الأخلاقية، ما يجعل من الضروري وجود رقابة بشرية مسؤولة، تضمن استخدام التكنولوجيا لخدمة الإنسان لا استعباده.

في الختام، يبدو أن مستقبل الذكاء الاصطناعي يحمل بين طيّاته وعودًا عظيمة وتحديات هائلة. وما بين تسريع الابتكار وتحقيق الكفاءة، إلى الخوف من فقدان السيطرة أو تعميق الفجوة بين الدول، تبقى مسؤولية البشر اليوم أن يوجّهوا هذه القوة الجديدة نحو الخير العام.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *